تدوين التاريخ الاسلامي .. كيف كانت البداية والنشأة وكيف تطور؟
تحت عنوان: "تدوين التاريخ الإسلامي .. كيف كانت البداية والنشأة وكيف تطور؟"، أقامت مؤسسة دار الحكمة في لندن أمسيتها الأسبوعية مساء يوم الجمعة المصادف لــ2024/03/01، بمشاركة الباحث التاريخي الأستاذ "أبو ذر الصغير".
افتتح الأمسية الأستاذ"عباس المرشد" الذي طرح إشكاليات عن تدوين التاريخ والذاكرة والمدارس والمنهجية الفاصلة بين التاريخ والذاكرة وكيفية التعامل معها وأهم المصادر المعتمدة ومستوى تداولها والمشاكل التي ترافق هذا النمط من كتابة التاريخ الإسلامي الذي يؤدي إلى صناعة الذاكرة. وبعدها دعا الأستاذ"الصغير" لطرح بحثه.
بدوره اعتبر الأستاذ "أبو ذر الصغير"، أن مهمة كاتب التاريخ تبدو أشبه بمهمة الأنبياء، مع الإختلاف في الصدق بكتابة الأحداث وتدخُّل الأهواء الشخصية. هذا الأمر يضع مصداقية التاريخ الموجود بين أيدينا اليوم تحت مجهر المساءلة، والدليل على ذلك وجود تواريخ مختلفة لولادة النبي محمد(ص) وكذلك لوفاته، بسبب عدم اهتمام العرب في تدوين التاريخ، قبل العصر الأموي. بعد أن أدرك الأمويون ضرورة تدوين التاريخ، عمدوا إلى أسماء منها "أبان بن عثمان بن عفان" و"عروة بن الزبير" وغيرهم لكتابة التاريخ وما رافق ذلك من تدخل سافر للأهواء الشخصية في عملية التدوين في تلك الحقبة.
ثم تحدث الأستاذ عن عملية التزوير التي جرت على أيدي الأمويين والعباسيين في كتابة السيرة النبوية وما سُمي بالـ"مغازي"، وإخفاء النسخ الأولى من الكتابات، ما جعل الكتابات مصبوبة ضد الإمام علي(عليه السلام) كونه مشروع نقيض للأموية والعباسية. من هنا عمد هؤلاء إلى صناعة تاريخ يناسب أهواءهم الشخصية، وما يرتأيه الحاكم ومحاولتهم إبعاد كل من يشمون فيه رائحة التشيُّع عن كتابة الأحداث التاريخية حتى ولو كان ذا مصداقية معتبرة، ومن هؤلاء "الواقدي" الذي أُسقط من كتب الرجال على أهميته لأنه من أهل الكوفة ومن محبي أهل البيت(عليهم السلام).
أما في زمن "المتوكل" فكان الاعتماد على الرواية التي يضعونها هم بأنفسهم أو التي تناسب حكمهم. وفي هذا السياق قدم الأستاذ "أبو ذر" مثالاً من الطرف الآخر في رواية التاريخ وهو "أبو مخنث" الشيعي الذي أرَّخَ عن عاشوراء وحادثة كربلاء فاعتُبر متحيزاً في تأريخه وذلك لأنه شيعي. هذه المسألة أدت إلى وجود تناقضات كثيرة ملفتة في الكثير من الروايات الموجودة في الكتب التاريخية التي أُلِّفت على هذه الشاكلة.
واعتبر الأستاذ أن نظرية "اجتهد فأخطأ، وله حسنة" هي من أسوأ المغالطات والموبقات التي اعتُمدت في نقل الأحاديث وتدوين التاريخ لأنها ساوَتْ بين القاتل والمقتول وهذا منافٍ للمنطق والعقل. واعتبر الأستاذ أن البعض ضيَّع الإمام علي(عليه السلام) لأنه لم يرَ فيه إلا السيف والشجاعة فيما فاز به البعض عندما درسه كقيمة إنسانية وحضارية وفكرية ومنهم المفكر المسيحي اللبناني "سليمان كتاني" و"جورج جرداق" الذين تميزا بمعرفة الإمام كقيمة إنسانية عظيمة.
بعدها فُسح المجال أمام الأسئلة والمداخلات، فكانت استفسارات عن النظرة الأممية حول أهل البيت(عليهم السلام) التي تعتمد على الدراسة الكونية المجردة لهذه الشخصيات العظيمة وأنماط الكتابة التاريخية والروائية في هذا المجال.